الاثنين، 30 نوفمبر 2015

الدور ألسياسي للأب ألإنسان والسياسة :

الدور ألسياسي للأب    
               
ألإنسان والسياسة :
 لو قلنا أن السياسة هي الطريقة ، وأن علم السياسة يقوم بدراسة العلاقات المتبادلة بين الناس والجهاز الحاكم وأخذنا بنظر ألإعتبار في نفس الوقت الجاني ألإجتماعي للإنسان ، لأضطررنا إلى ألإعتراف بأن ألإنسان يمثل كائناً سياسيا . إن المجتمعات تدار وفق ضوابط وقوانين معينة حيث على كل عضو في المجتمع أن ينتخب منهجا وأسلوبا لحياته الفردية والجماعية ينسجم مع إرادة المجتمع ، مما يدفع ألإنسان لممارسة السياسة . وقد وصف ألإنسان بأنه حيوان سياسي ، وإن كان هذا الوصف لا يناسب ألإنسان في بعده الحيواني إلا أنه صحيح في بعده السياسي . فلا يوجد من لا يملك رأيا أو موقفا إزاء القانون والحرية والحزب والتنظيم والعلاقات الداخلية والخارجية والحرب والسلم ومدوني القوانين وغيره وهذه كلها أبعاد سياسية . فألإنسان سياسي بطبعه مهما كلن موقعه وظرفه ومستوى نموه وتكامله ، ولا تقتصر معاطاة السياسة على ثلة قليلة كتلك التي تدير أمور المجتمع وتحكم ، وذلك لأن البعد السياسي يعتبر من ضروريات الحياة ألإجتماعية .
السياسة والتربية :
 لا يمكن للتربية أن تكون بعيدة عن السياسة وإيجاد ألإستعداد عند الفرد ليكون مواطنا صالحا في علاقاته ، ما دامت أنها (أي التربية) تعني تحقيق تغيير في جميع ألأبعاد الوجودية ، وأنها وسيلة للبناء . ولا بد أن تقوم التربية بدورها طالما كان الهدف هو تبني ألأشخاص موقفا معينا في عالم الوجود حيال الحياة الجماعية ونوعها وطريقة الحكم وإدراة المجتمع .
 لا بد أن نعترف أن الشخصية ألإنسانية تتأثر بالمحيط ألإجتماعي وخاصة ألأسرة ، وأن ألأب هو الذي يعلم ولده كيفية إتخاذ المواقف المناسبة في الحياة السياسية وألإتصاف بخصائص معينة إزاء مختلف الحقائق . ينبغي للأب أن ينشئ ولده سياسيا ويوضح له معنى الحكومة وضرورتها ، وكيف يتعامل مع القانون ؟ وماذا تعني الحرية ؟ وكيف يجب أن تكون ؟ وأن يدفعه للإهتمام بمختلف ألأحداث فلا يكون لا مباليا إزاءها . والشيء المهم في التربية السياسية هو أن يدرك ألأطفال بمستوى فهمهم ، مواقعهم في هذا العالم ودورهم في المجتمع ألإنساني ، والمواقف التي ينبغي أن يتخذوها إزاء القائمين على شؤون مجتمعهم وألأحداث المختلفة التي يشهدونها .
معرفة العالم و الانظمة : 
 يرتبط جانب من مسؤولية ألأب ـ بلا شك ـ بتعريف ولده بهذا العالم والدول والشعوب والحكومات المختلفة . حيث يجب أن يقوم تدريجيا بتوعيته بهذه الأمور وذلك بما يتلاءم مع مستوى الطفل وسنه وفهمه وإدراكه . إننا نعرف أنه توجد أنظمة مختلفة على هذه الكرة ألأرضية حيث تتعدد المناصب في درجاتها لتشمل الرئيس والوزير والمساعد والمدير ، وتختلف الدساتير والقوانين والبرلمانات وألأجهزة التنفيذية كالشرطة مثلا وغير ذلك . إننا لا نقصد من خلال ذلك تدريس الطفل مادةالحقوق والسياسة وتعريفه بجميع التفاصيل ، ولكن يكفي أن نوفر له نظرة إجمالية عامة عن هذه ألأمور خاصة في مرحلة نشوئه ، وأن يلم بشيء من هذا العالم وما يجري فيه وبالخصوص مجتمعه الذي يعيش فيه وحكومته وألأحداث التي يشاهدها ويلمسها .
القانون والتقنين :
 لا يمكن إنكار الحقيقة التي تقول بأن جميع المجتمعات بحاجة إلى القانون لإدارة أمورها . وقد يكون هذا القانون وضيعا أو إلهيا . فعلى الجميع أن يتبعوا قانونا معينا سواء كان جيدا أو سيئا . والشيء المهم هو أن يربي ألأب ولده على إحترام القانون ألإلهي وألإيمان به وتطبيقه . ولا بد أن يشعر الطفل بقدسية القانون وضرورة الدفاع عنه . وفي مجال التقنين ينبغي للطفل أن يحترم شخصية المقنن ويدرك إنه لا يمكن لأي شخص أن يتمتع بهذا الحق . فالمقنن لا بد أن يكون صادقا ونزيها وأمينا يريد الخير للآخرين ، وأن يتم التأكيد على إنسانيته وخلقه وتقواه . وحري بألأب أن يوضح لولده عمليا إحترامه للقانون وفائدته ونفعه وذلك من خلال تصرفاته وسلوكه اليومي حتى يشعر الطفل بحاجته للقانون فيلتزم به ويضحي من أجله .
ألأسقتلال والحرية :
 يجب على ألأب أن يربي ولده على حب ألإستقلال والحرية حيث توجد في أعماق الطفل ألأرضية الفطرية لتقبلهما ، وأن يوضح له حدود الحرية حتى يعلم بأنها مقيدة . وعلى الولد أن يعرف ما هي حدود حريته والسبب في تقييدها ، وألآثار والنتائج السيئة للحريات المطلقة ، والمصاعب التي ستلحق بألآخرين وبه أيضا فيما لو أراد الناس التصرف كيفما يشاؤون . وتربويا فإنه من الضروري جدا أن نفسح المجال للطفل ليمارس حريته المشروعة .
 وفي موضوع ألإستقلال ، يجب أن نوفر ألأرضية المناسبة ليستقل الطفل تدريجيا في حياته ويقلل إعتماده على والديه بنسبة فهمه وإستعداده ونشوئه وإستطاعته وينبغي أن نساعده ليقف على قدميه حتى تزول حاجته إلى والدته وبالتدريج في فرش فراشه مثلا أو غسل جواربه ومنديله . ومن الضروري أن يدرك الطفل أهمية إستقلال المجتمع والحياة الحرة الكريمة ، وأن يعشق هذا المفهوم إلى درجة يكون مستعدا للتضحية من أجله بماله ونفسه .
العلاقات القومية والدولية :
 ينبغي للأب أن يربي ولده ليكون منسجما مع أعضاء مجتمعه فيشعر بضرورة حب الناس ويطلب الخير لهم ، وأن يرسخ فيه روح التفاهم وألإيثار والصبر والعمل وخدمة مجتمعه والبشرية .
 أما في المجال الدولي ، فلا بد أن يربى الطفل على روح التفاهم وألإيثار ، وحب الناس ومبدأ ألأخوة والسلام ، والنظرة العالمية (ألأممية) بدلا من النظرة القومية . وأن يعرف بأن المسلمين هم إخوة له وأن يراعي العدل وألإنصاف مع جميع الذين يعيشون في مناطق العالم المختلفة . و عليه أن يكون نصيرا للمظلومين وخصما للظالمين ومغيثا للمحرومين ومعينا لهم . وأن يتقرب ممن يحترم ألإنسان وألأخلاق ويعادي الذين يحاولون إستعمار الشعوب ويستكبرون عليهم .
المواطن والقائد :
 تقع على ألأب مسؤولية بناء الولد ليكون في كبره مواطنا صالحا في المجتمع ، مطيعا للدولة وقوانينها ، وقائدا جيدا لو أنيطت به مسؤولية معينة . وعليه أن يكون متهيئا لقبول المسؤولية عندما يجد في نفسه الكفاءة وأن يستلم المنصب عندما يشعر بقدرته على خدمة الناس لا أن يكون عبدا للمال والمنصب والشهرة فيجلب لنفسه وشعبه الويلات .
 إننا لا نربي أطفالنا على حب الوطن بالمعنى الذي يفهمه القوميون . إننا لا نربي أطفالنا ليرتبطوا بدولة معينة فقط أو بمجتمع خاص ، بل نربيهم من أجل المجتمع ألإنساني ، ولا نهدف من خلال ذلك أن نحدد المصالح البشرية في أطر ضيقة ، بل نسعى لإحترام البشرية وحقوقها وأن نقدم لها هداة ومرشيدن . إننا لا نربي مواطنين فقط ، بل شخصيات عالمية تطمح بحل مشكلات العالم فيما لو تمكنت من ذلك .
التدريب العسكري والدفاع :
 إن التدريب العسكري وتعلم فنون الحرب يمثل جانبا مهما في التربية السياسية ، ويريد ألإسلام من كل إنسان أن يدافع عن حقوقه وكرامته ومجتمعه ، ويقف بوجه الكفار وألأعداء ويكون مستعدا للتضحية بنفسه من أجل الحق . ويؤكد التدريب العسكري ـ وهو من أجل الدفاع ـ على ضرورة أن يتعلم الطفل السباحة والرماية والفروسية ، وأن يتهيأ ويستعد للدفاع عن نفسه حسب الظرف التي يعيشها ، وهذا ما كان ساريا في صدر ألإسلام وخاصة في عهد الرسول ألأكرم (ص) .
 فقد أوجب ألإسلام على المسلمين ألإستعداد من أجل الدفاع ، بل أوجبه على المرأة أيضا ، ولا يستطيع أي شخص أن ينكر أهمية ذلك . ويذهب القرآن الكريم إلى أبعد من ذلك عندما يؤكد أن ألإستعداد لا بد أن يقذف الرعب والخوف في قلوب ألأعداء حتى لا يتجرأوا في ألإعتداء على المسلمين .
دور الاب : يجب على ألأب أن يكون القدوة الصالحة في التربية السياسية ، فهو لا يمثل مصدر القوة لطفله بل يعتبر أيضا القدوة له في العمل بوظيفته ويرسم له الطريق المناسب للقيام بهذه المسؤولية . فالطفل ينظر إلى ابيه على أنه المقنن والقائد والقدوة في الجرأة والشهامة ، وأن ما يقوم به ألأب يعتبر درسا للطفل يتعلم منه الموقف وألأسلوب والمنهج في التربية السياسية .
 إن حب ألأب للناس ونظرته للحرية وألإستقلال والجهاد والنضال في سبيل الوصول إلى الهدف والدفاع عن الحق والحقيقة والمظلومين ومجاهدة الباطل ، تمثل دروسا سياسية للطفل مما يستوجب على ألأب أن يحذر كثيرا في هذا المجال .
 يجب أن يشاهد الطفل رغبة ألأب وميله نحو القضايا السياسية وما يرتبط بمجتمعه والبشرية جمعاء . ولذا فمن الضروري أن يلتزم بالمشاركة في النشاطات ألإجتماعية ليكون مواطنا صالحا أو قائدا يقتدى به من أجل حياة إسلامية . وإن أي تسامح يؤدي إلى جهل الطفل بألأمور السياسية .

المصدر:دور الاب في التربية - للدكتور علي القائمي .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق